...............................................................................
من الأحكام في هذه السورة قول الله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هكذا أخبر الله. وهذا يعتبر أيضا عقوبة للزاني والزانية، واختلف في المراد بالنكاح هنا لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ؛ فقيل: إن النكاح هو الزنا؛ يعني الزاني لا يزني إلا بمن هو مثله، إما زانية؛ يعني خفيف الحكم عندها، وإما مشركة ليس لها تدين، وليس لها ما يردعها من الإيمان؛ فهي التي تمكن من أن يفعل بها من أن يزني بها .
فيكون المعنى إن الزاني لا يُمكنه من الزنا إلا المشركة التي لا دين لها يردعها، أو الزانية التي تتهاون بالعقوبة، وتتهاون بحق الله تعالى. فلا ينكح؛ يعني لا يجامع إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ثم قال: وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ؛ أي لا يستبيح وطأها ومجامعتها إلا من هو مشرك لا يخاف الله ولا يراقبه ولا يخشى عقابه، أو من هو زان مصر على الزنا، بمعنى أنه يستبيح ما حرم الله تعالى، ولا يهمه أن يقع في هذه الفاحشة.
فإن كان على هذا فمعناه أنه لا يقع في الزنا إلا من هو مستبيح له، أو متهاون به، أو من هو مشرك، وقد يكون زناه بمسلمة، وقد يكون زناه بمشركة، وقد يكون زناه بزانية. زناه بالمسلمة إذا قهرها وغصبها وألجأها، حتى تمكنه من الفعل بها؛ فيقال: هذا الزاني ممن يوصف بأنه يتهاون بهذه الفاحشة التي عظم الله تعالى شأنها بقوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا هكذا أخبر بأنه فاحشة، والفاحشة اسم لما يستفحش، ولما يستقبح ذكره، ولما ...
فإن في الزنا عقوبة أخروية عقوبة شديدة وإن فيها وعيدا شديدا وتأديبا لمن يأتي بهذا الذنب؛ فلأجل ذلك .. أن الزاني هو الذي يتهاون بأمر الله تعالى ... الزانية التي تبذل نفسها ... أما الذين قالوا: إن الحكم على عمومه فخصوا إذا كان مستحلا له أن الزاني المستحل للزنا -عليه لا يجوز أن يزوج بمسلمة عفيفة، فلا يتزوج إلا بمن هو مثلها، ممن .. بالزنا ولا أحد -..، امرأة عفيفة التي تعترف أو تقر بأن الزنا حرام، فلا شك أن من هو على هذه الطريقة - إنما يقبله من هو مثله من هو متساهل بهذا الذنب الكبير، أو من هو مشرك، فمعناه: لا يستحل الزنا إلا الزناة المستحلون له، المتهاونون به أو المشركون، ولا يستحل الزنا من النساء إلا من هي متهاونة فيه، متساهلة في عقوبته، متساهلة في حكمه، وفي حده، وفي عقوبته في الدار الآخرة، أو من هي مشركة .
وذهب بعضهم إلى أنها لا حتى ولو كانا مسلمين، إذا كانت المرأة مسلمة ولكنها مصرة على الزنا، تبذل نفسها أو تسكت.. إلى فعل من يزني بها فلا يجوز للمسلم أن يتزوجها، وإنما يتزوجها الزاني الذي هو مثلها، مصر على الزنا، أو يتزوجها مشرك.
وعلى هذا فكيف يتزوجها المشرك، أو كيف أن المشركة يتزوجها مسلم، يتزوج يعني: كيف أن الزانية المسلمة يتزوجها مشرك، أو أن المسلمة تتزوج مشركا، مع أنها من المسلمين، يعني: معنى ذلك أن هذه الزانية مصرة على الزنا، يحل أن نزوجها مشركا؛ وهو أيضا زانٍ مصر على الزنا يحل أن يتزوج امرأة مشركة، وقد علم بأن هذا لا يجوز في الإسلام قال الله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ أي: ولو لم تجد إلا أمة مؤمنة خير لك من حرة مشركة، وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ أي: لا تزوجوا المشركين حتى يؤمنوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ أي: لو لم تجدوا إلا عبدا مؤمنا خير من أن تزوجوها من الرجل الحر المشرك .
وكذلك قال تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ أي: إذا كان لكم زوجات بقين على الكفر فلا تمسكوا بعصمهن بل طلقوهن، فلا يحل لكم إمساكهن، فهذا يدل على أنه لا يحل أن تزوج المرأة بمشرك، ومعلوم أن الزنا لا يخرج عن الملة، ولا تخرج الزانية ولا الزاني بالزنا عن الإسلام، ولا يقال: إن من زنا فإنه كفر، وحل قتله، وحكم عليه بأنه غير مسلم، حل دمه وماله، لا يقال هذا إنما هذا قول الخوارج، وكذلك قول المعتزلة الذين يخرجونه من الإسلام، وإن كانوا لا يدخلونه في الدنيا، في حكم الكفار الذين تحل دماؤهم وأموالهم، وإنما يجعلونه بمنزلة بين منزلتين، لا مسلم ولا كافر، وفي الآخرة يتفقون جميعا على أنه مخلد في النار، ولا يكفرون الزاني إذا فعل الزنا أو أصر عليه ذكرا أو أنثى، ويستبيحون قتله، ويحكمون عليه بالخلود في العذاب، فيكون هذا من باب التكفير بالذنب، وهو مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة.
فعلى هذا قال بعضهم: إن هذه الآية منسوخة يعني قوله أو مشرك : الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً أن هذا منسوخ بقوله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ أن هذا أيضا منسوخ بقوله تعالى: وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ .
وأما الأصل الباقي هو أن الحكم لا... أنه لا يجوز تزويج المشركين، بل ولا تزويجهم الفسقة الذين يعرفون بالفاحشة والزنا، فكأنه نهي وتحريم، أي: لا تزوجوا من عرف بالتساهل في أمر الزنا، إذا كان عندك ابنة فلا تزوجها إنسانا يعرف بأنه يتساهل في أمر الزنا، فيفعل الفواحش يفعل فاحشة الزنا، أو اللواط، أو مقدمات ذلك؛ بل عليك أن تلتمس العفيف، الذي يصون نفسه، ويصون أهله، وكذلك أيضا إذا كنت مثلا عفيفا فالتمس لنفسك عفيفة، إذا عرف أن أهل هذا البيت ممن يتساهلون في أمر الفاحشة، ذكورا أو إناثا فلا تقدم عليهم ولا تخطب منهم، التمس أهل العفاف، وأهل التستر، وأهل الصيانة لأنفسهم، ولأهليهم.
فكأن المعنى: لا تنكحوا الزانية فنكاحها كنكاح المشركات، ولا تُنحكوا الزواني أي: الزناة فإن إنكاحهم وتزويجهم كتزويج المشركين، الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أي: لا يتزوج إلا من هو مثله فلا تزوجه بالعفيفة، والزانية لا تتزوجها أيها العفيف، التمس عفيفة فلا يتزوجها إلا من هو مثلها، وقد ورد فيه حديث عفوا تعف نساؤكم وهذا ظاهر أن الإنسان إذا كان متحصنا، متعففا، حافظا لفرجه، فإن نساءه يحفظن أيضا أنفسهن، صيانة وتحفظا، واحتماء، فلا يقدمن على فعل شيء من الفواحش، وما أشبه ذلك.
ثم إذا قدر أن إنسانا زوجته وهو عفيف، ثم فسد فصار يزني، يتعاطى هذه الفاحشة، وعرفت امرأته ذلك؛ إما أنه يأتي إليها بالنساء، وإما عرفت أنه يذهب إلى النساء في بيوتهن، أو يفعل الفاحشة لواطا وعرف ذلك منه، فلا يحق للمرأة أن تبقى معه؛ بل لها أن تطلب الطلاق، وسيجعل الله لها فرجا ومخرجا، فلا يجوز لها أن تبقى تحت هذا الفاجر؛ الذي عرف بفجوره، وعرف بفحشه؛ وذلك مخافة عليها، وإن كانت تأمن على نفسها.
كثير من الفسقة الذين وقعوا في هذه الفاحشة لم يقتصروا على أنفسهم، بل ..يجر إلى امرأته، -والعياذ بالله- إذا كانت له شلته الفاسدة يأتي بهم إلى بيته، ثم قد يُكره امرأته على أن تأتي إليهم سافرة وأن تخدمهم، وتصب لهم الشاي كأنهم محارم لها، حتى يتعرفوا عليها؛ ربما إذا تعرفوا عليها، يتحينون غيبته، ثم يأتي إليها أحدهم، -والعياذ بالله- ويفعل معها هذه الفاحشة؛ فيكون الزوج هو الذي تسبب، وربما أيضا لا يكون عنده غيرة، بأنه أنه يعلم أن امرأته تفجر ويقرها على فجورها؛ فيكون من الديوثين، الذي ورد في الحديث أنهم لا يدخلون الجنة، الديوث هو: الذي يقر الخنا في أهله.
وكذلك يشتكي أيضا كثير من الرجال، يذكرون أنهم يلاحظون على نسائهم فعل شيء، أو مكالمات تدل على عدم العفاف؛ وسبب ذلك، أو الغالب عليه الاتصالات الهاتفية والمعاكسات، فإن المرأة قد ترفع السماعة فيكلمها أحد العابثين، فإذا تعرف عليها أعطاها رقمه، ثم أخذا يتبادلان المكالمات، وزوجها غافل، وكذلك أيضا قد يكون الزوج مسافرا، وتطول غيبته، وامرأته ليست من المتعففات، فمع كثرة المكالمات، ومع كثرة الخروج، ومع كثرة المواجهات، يحصل منها التساهل، إلى أن تقع في فعل شيء من الفواحش -والعياذ بالله- فيكون السبب تساهل الزوج